سورة المائدة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} محمد صلى الله عليه وسلم، {يُبَيِّنُ لَكُمْ} أعلام الهدى وشرائع الدين، {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} أي انقطاع من الرسل.
واختلفوا في مدة الفترة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال أبو عثمان النهدي: ستمائة سنة، وقال قتادة: خمسمائة وستون سنة، وقال معمر والكلبي، خمسمائة وأربعون سنة وسميت فترة لأن الرسل كانت تترى بعد موسى عليه السلام من غير انقطاع إلى زمن عيسى عليه السلام، ولم يكن بعد عيسى عليه السلام سوى رسولنا صلى الله عليه وسلم. {أَنْ تَقُولُوا} كيلا تقولوا، {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
قوله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} أي: منكم أنبياء {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني أصحاب خدم وحشم، قال قتادة: كانوا أول من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم. ورُوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم وامرأة ودابة يكتب ملكا».
وقال أبو عبد الرحمن الحُبُلي: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، وسأله رجل فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادما، قال: فأنت من الملوك.
قال السدي: وجعلكم ملوكا أحرارا تملكون أمر أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط يستعبدونكم، قال الضحاك: كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية فمن كان مسكنه واسعا وفيه ماء جار فهو ملك {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} يعني عالمي زمانكم، قال مجاهد: يعني المنّ والسلوى والحَجَر وتظليل الغمام.


قوله تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} اختلفوا في الأرض المقدسة، قال مجاهد: هي الطور وما حوله، وقال الضحاك: إيليا وبيت المقدس، وقال عكرمة والسدي: هي أريحاء، وقال الكلبي: هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقال قتادة: هي الشام كلها، قال كعب: وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله في أرضه وبها أكثر عباده.
قوله عز وجل: {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني: كتب في اللوح المحفوظ أنها مساكن لكم، وقال ابن إسحاق: وهب الله لكم، وقيل: جعلها لكم، وقال السدي: أمركم الله بدخولها، وقال قتادة أمروا بها كما أمروا بالصلاة، أي: فَرَض عليكم. {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} أعقابكم بخلاف أمر الله، {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} قال الكلبي: صعيد إبراهيم عليه السلام جبل لبنان فقيل له: انظر فما أدركه بصرك فهو مقدّس وهو ميراث لذريتك.
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وذلك أن النقباء الذين خرجوا يتجسسون الأخبار لمّا رجعوا إلى موسى وأخبروه بما عاينوا، قال لهم موسى: اكتموا شأنهم ولا تخبروا به أحدا من أهل العسكر فيفشلوا، فأخبر كل رجل منهم قريبه وابن عمه إلا رجلان وفيَّا بما قال لهما موسى، أحدهما يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف عليهم السلام فتى موسى، والآخر كالب بن يوفنا ختن موسى عليه السلام على أخته مريم بنت عمران، وكان من سبط يهود وهما من النقباء فعلمت جماعة من بني إسرائيل ذلك ورفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا يا ليتنا في أرض مصر، وليتنا نموت في هذه البرية ولا يُدْخلنا الله أرضهم فتكون نساؤنا وأولادنا وأثقالنا غنيمة لهم، وجعل الرجل يقول لصاحبه: تعال نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر، فذلك قوله تعالى إخبارا عنهم {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} أصل الجبار: المتعظم الممتنع عن القهر، يُقال: نخله جبارة إذا كانت طويلة ممتنعة عن وصول الأيدي إليها، وسُمي أولئك القوم جبارين لامتناعهم بطولهم وقوة أجسادهم، وكانوا من العمالقة وبقية قوم عاد، فلما قال بنو إسرائيل ما قالوا وهموا بالانصراف إلى مصر خرَّ موسى وهارون ساجدين، وخرق يوشع وكالب ثيابهما وهما اللذان أخبر الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ}.


{قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} أي: يخافون الله تعالى، قرأ سعيد بن جبير {يخافون} بضم الياء، وقال: الرجلان كانا من الجبارين فأسلما واتبعا موسى، {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} بالتوفيق والعصمة قالا {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} يعني: قرية الجبارين، {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} لأن الله تعالى منجز وعده، وإنا رأيناهم وأجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة، فلا تخشوهم، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فأراد بنو إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة وعصوهما.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8